مرض الجدري: أعراضه، وأنواعه، وعلاجه
الجدري هو مرض فيروسي معدٍ يتسبب في ظهور طفح جلدي مميز، ويعد من الأمراض التي كان لها تأثير كبير على البشرية في العصور السابقة. ورغم أن المرض قد تم القضاء عليه بشكل نهائي في أواخر السبعينيات بفضل برنامج التطعيم العالمي، إلا أن الجدري كان يشكل تهديدًا حقيقيًا للبشرية على مدار قرون. في هذا المقال، سوف نغطي كل ما يتعلق بمرض الجدري من أعراض وأنواع وأسباب المرض والعلاج.
ما هو مرض الجدري؟
الجدري هو مرض ينتج عن الإصابة بفيروس الجدري، والذي ينتمي إلى عائلة الفيروسات “بيكسو فيرويدي” (Poxviridae). كان هذا المرض في الماضي سببًا رئيسيًا للوفاة والمضاعفات الصحية الخطيرة، حيث كان يسبب الإصابة بحمى شديدة وظهور طفح جلدي مميز على الجسم. الجدري كان له تأثير اجتماعي واقتصادي كبير في المجتمعات البشرية القديمة، قبل أن يتم القضاء عليه بشكل تام بفضل جهود التطعيم.
أعراض مرض الجدري
تختلف أعراض مرض الجدري حسب مرحلة المرض، لكنها تشمل بشكل عام عدة علامات وأعراض مميزة:
-
الحُمَّى الشديدة: يبدأ مرض الجدري عادة بحمى مرتفعة يمكن أن تصل إلى 40 درجة مئوية أو أكثر. يمكن أن تستمر الحمى لعدة أيام قبل أن يبدأ الطفح الجلدي في الظهور.
-
الشعور بالإرهاق الشديد: يشعر المصاب بالضعف العام والإرهاق طوال فترة المرض. قد يكون هناك أيضًا صداع قوي وألم في العضلات والمفاصل.
-
طفح جلدي مميز: بعد حوالي 2 إلى 4 أيام من بدء الحمى، يبدأ الطفح الجلدي في الظهور. يبدأ الطفح عادة في الوجه والذراعين، ثم ينتشر إلى باقي أجزاء الجسم بما في ذلك اليدين والقدمين. يظهر الطفح الجلدي في البداية على شكل بقع حمراء مسطحة، ثم يتحول تدريجيًا إلى بثور مليئة بالسوائل.
-
الانتقال إلى مرحلة القيح: بعد عدة أيام، تتحول البثور إلى بثور مليئة بالصديد، وعادة ما تتقرح مع مرور الوقت. قد تترك ندوبًا دائمة على الجلد.
-
أعراض معوية: يعاني بعض المرضى من اضطرابات في الجهاز الهضمي، مثل الغثيان والقيء، وخاصة في المراحل المبكرة من المرض.
-
تورم الغدد اللمفاوية: يمكن أن يحدث تورم في الغدد اللمفاوية القريبة من أماكن الطفح الجلدي، مما يزيد من الألم والتورم في هذه المناطق.
أنواع مرض الجدري
هناك نوعان رئيسيان من مرض الجدري:
-
الجدري التقليدي (Variola major): هذا هو النوع الأكثر شيوعًا والأشد فتكًا من الجدري. يمكن أن تكون هذه الحالة قاتلة بنسبة تتراوح من 20% إلى 30% من المصابين، وتعتمد شدة المرض على المناعة العامة للفرد. يشمل هذا النوع كافة الأعراض المعروفة مثل الحمى الشديدة، الطفح الجلدي المميز، وصعوبة التنفس.
-
الجدري المعتدل (Variola minor): يتميز هذا النوع من المرض بأعراض أقل حدة من النوع الأول. لا يتسبب هذا النوع عادة في الوفاة ويعاني المصابون به من طفح جلدي أقل شدة وأكثر اعتدالًا. كان هذا النوع نادرًا مقارنة بالجدري التقليدي.
أسباب مرض الجدري
يحدث مرض الجدري بسبب الإصابة بفيروس الجدري. ينتقل الفيروس من شخص لآخر عن طريق قطرات التنفس التي يتم إطلاقها عندما يسعل أو يعطس المصاب. يمكن أيضًا أن يتم انتقال الفيروس من خلال الاتصال المباشر مع سوائل الجسم أو الجلد المصاب بالبثور.
الفترة الزمنية بين الإصابة بالفيروس وظهور الأعراض (المدة الحاضنة) تتراوح عادة من 7 إلى 17 يومًا. في هذه الفترة، لا يظهر على الشخص المصاب أي علامات، لكنه يمكن أن ينقل الفيروس إلى الآخرين دون أن يشعر.
علاج مرض الجدري
في العصور السابقة، لم يكن هناك علاج فعال للجدري، وكان العلاج يقتصر بشكل أساسي على تخفيف الأعراض. ومع تقدم الطب والتكنولوجيا الطبية، أصبح الآن مرض الجدري من الأمراض التي تم القضاء عليها عالميًا بفضل حملة التطعيم الناجحة التي تم تنظيمها من قبل منظمة الصحة العالمية في السبعينيات.
الوقاية بواسطة التطعيم: يعتبر التطعيم ضد مرض الجدري هو الوسيلة الوحيدة الفعالة للوقاية منه. التطعيم باستخدام لقاح الجدري هو من أنجح اللقاحات التي تم تطويرها، حيث ساهم بشكل كبير في القضاء على المرض في معظم أنحاء العالم.
العلاج الداعم: على الرغم من أن علاج الجدري نفسه لم يعد ضروريًا نظرًا لأن المرض تم القضاء عليه، إلا أن المصابين في الماضي كانوا يتلقون علاجات داعمة تهدف إلى تخفيف الأعراض. كان يتم منح المرضى أدوية لتخفيف الحمى والألم، وتقديم سوائل للوقاية من الجفاف، بالإضافة إلى العناية الجيدة بالجروح المفتوحة لمنع العدوى الثانوية.
كيف تم القضاء على الجدري؟
في عام 1967، بدأت منظمة الصحة العالمية في تنفيذ برنامج عالمي لمكافحة مرض الجدري. كان هذا البرنامج يعتمد بشكل رئيسي على حملات التطعيم الشامل لجميع السكان في المناطق التي يتواجد فيها المرض. تم تطعيم أكثر من 80% من سكان العالم، مما ساعد بشكل كبير في تقليل انتشار المرض. وفي عام 1977، تم الإعلان عن آخر حالة مسجلة للإصابة بالجدري في الصومال، ومن ثم أعلنت منظمة الصحة العالمية عن القضاء الكامل على المرض في عام 1980.
تأثير مرض الجدري على الصحة العامة
رغم أن مرض الجدري قد تم القضاء عليه الآن، إلا أن تأثيره على المجتمعات البشرية كان كبيرًا طوال قرون من الزمن. فقد كان الجدري أحد الأسباب الرئيسية للوفاة في الماضي، وعانى الملايين من الأشخاص من تشوهات جسدية أو إعاقات دائمة نتيجة لآثاره. كما أن مرض الجدري كان يشكل عبئًا ثقافيًا واقتصاديًا على المجتمعات في الماضي، حيث كانت حالات الوفاة الجماعية تؤثر بشكل كبير على القوى العاملة في مختلف المجالات.
التحديات المستقبلية
في حين أن الجدري قد تم القضاء عليه، لا تزال هناك بعض المخاوف المتعلقة بالفيروس. لا يزال فيروس الجدري موجودًا في بعض مختبرات الأبحاث في الولايات المتحدة وروسيا، حيث يتم تخزينه لاستخدامه في الدراسات العلمية. هناك مخاوف من أن يكون هناك خطر من استخدام الفيروس كأداة بيولوجية في الحروب أو الهجمات الإرهابية.
الخلاصة
كان مرض الجدري أحد أكثر الأمراض فتكًا في تاريخ البشرية، وترك أثراً عميقاً على المجتمعات التي تأثرت به. ومع ذلك، تمكنت الجهود العالمية المنظمة للتطعيم من القضاء على المرض بشكل نهائي، مما يمثل أحد أكبر الإنجازات الصحية في تاريخ البشرية. رغم أن المرض لم يعد يشكل تهديدًا، إلا أن ذكراه تظل تذكيرًا بأهمية التطعيم والوقاية من الأمراض المعدية.
